صلاة الجمعة بإقامة قائد الثورة الإسلامية السيد الخامنئي في العاصمة طهران
أقيمت صلاة جمعة طهران هذا الأسبوع بإمامة سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي مد ظله العالي
أشار سماحة في نهاية الخطبة الثانية إلى جملة من الموارد المهمة في خصوص أحداث الساحة المعاصرة مخاطبا فيها طبقة الشباب من البلدان العربية، و هي كالآتي:

الخطبة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدللّه‌ ربّ العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوكل عليه ونصلّي ونسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه حافظ سرّه ومبلّغ رسالاته بشير نعمته ونذير نقمته سيدنا ونبينا أبي‌ القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين سيما بقية ‌الله‌ في الأرضين وصلّى الله على أئمّة المؤمنين وهداة المستضعفين وحماة المؤمنين.
أدعو كل الإخوة الأعزاء وأوصيهم ونفسي بتقوى الله. إذا كنا نروم النصرة من الله فهي في التقوى، وإذا كنا نريد التوفيقات الإلهية والهداية الإلهية فهي في التقوى، وإذا كنا نطمح إلى الفرج والانفراج في الشؤون الشخصية والاجتماعية فهي في التقوى، علينا جميعاً السعي لجعل تقوى الله معيار أعمالنا. الشيء المهم في صلاة الجمعة هو التوصية بالتقوى، وأنا نفسي أحوج منكم لهذه التوصية ونتمنى أن يوفقنا الله تعالى لنستطيع مراعاة تقوى الله كل منا بقدر استطاعته. 
ثمة في سورة إبراهيم آية عميقة المعاني والمضامين مثل سائر الآيات القرآنية. وحديثي اليوم حول هذه الآية والآيات التي تليها. يقول [الله عزّوجل]: «وَلَقَد اَرسَلنا موسىّْ بِئئايـّْتِنـاِّ اَن اَخرِج قَومَك مِنَ الظُّلُمّْتِ إلى النّورِ وَذَكرهُم بِاَيامِ ‌الله» (1) يوصي ويأمر النبي موسى أن «ذَكرهُم بِاَيامِ ‌الله». وثمة احتمالان حول معنى «ذَكرهُم بِاَيامِ ‌الله» ولا يختلف الأمران بالنسبة للقصد الذي نتوخاه من هذه الآية. أحد الاحتمالين هو أن يكون القصد ذكرهم بأيام الله، والاحتمال الثاني هو أن يكون القصد ذكرهم بالله والدين والقيامة بواسطة أيام الله. هنا تتبين أهمية أيام الله التي يؤمر رسول الله العظيم موسى بتذكير الناس بها. ثم يقول: «اِنَّ في ذّْلِك لَأيتٍ لِكلِّ ‌صَبّارٍشَكور» (2). أيام الله آيات وعلامات وإشارات في الدرب. لمن؟ لمن يتصفون بهاتين الصفتين: الصبّارون والشكورون. الصبّار هو الممتلئ بالاستقامة والصبر، والذي يكون كله صبر واستقامة. والشكور هو الذي يعرف النعمة ويشكرها وسوف أشير في ثنايا كلامي لبعض النقاط في خصوص الشكر. ثم يقول في الآية التالية أن النبي موسى عمل بهذا الأمر: «وَاِذ قالَ موسى لِقَومِهِ اذكروا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكم اِذ اَنجىّْكم مِن ءالِ فِرعَونَ» (3) ذكّرهم بنجاتهم من يد فرعون وأعوانه ومن قبضة القوة المسيطرة المتغلبة الجائرة وكيف أنقذكم الله منها. هذا من أيام الله ومن الأمثلة على أيام الله « اِذ اَنجىّْكم مِن ءالِ فِرعَونَ». إذن هذا اليوم من أيام الله، اليوم الذي تتخلص فيه المجتمعات والبشر والشعوب من قبضة القوى الجائرة. ثم يأتي النداء العام من الله وصوت الله المدوي: «وَاِذ تَـاَذَّنَ رَبُّكم». «تأذّن» بمعنى صوت الله تعالى العالي المدوي الذي يعلن للجميع «لَئِن شَكـرتُم لَاَزيدَنَّكم»، إذا شكرتم فسوف نضاعف ونزيد لكم يوماً بعد يوم النعمة التي أعطيناها لكم. «وَلَئِن كفَرتُم اِنَّ عَذابي لَشَـديد» (4)، أما إذا كفرتم النعمة ولم تؤدوا واجبات الشكر فسيحل بكم العذاب الإلهي وتنزل بكم مشكلات جمة. ثم يذكر في الآية اللاحقة النتيجة العامة من هذه التعاليم فيقول: «وَقـالَ موسى اِن تَكفُروِّا اَنتُم وَمَن فِي الاَرضِ جَميعًا فَاِنَّ اللهَ لَغَـنِي حَميد» (5)، حين نقول اشكروا النعم الإلهية وحافظوا عليها ولا تنسوها فهذا من أجلكم أنتم وإلا فالله تعالى غني غير محتاج. 
حسناً، أيام الله مهمة، وأنا أروم التحدث عن أيام الله، لمن؟ للناس الصبّارين الشكورين. الصبّارون أي المغمورين بالاستقامة والصبر ولا يتركون الساحة لأتفه سبب بل يثبتون ويصمدون. والشكورون تعني أولاً أنهم يعرفون النعمة ويرون الأبعاد الخفية والظاهرة للنعمة، وثانياً يقدرون النعمة ويثمنونها أي إنهم يعلمون قيمة هذه النعمة ووزنها وأهميتها. وثالثاً يشعرون بالمسؤولية حيال هذه النعمة، يشعرون بالمسؤولية على أساس هذه النعمة التي من الله بها عليهم، الشعب أو الجماعة أو القوم من غير عديمي الصبر والذين هم ليسوا عديمي المعرفة بمسؤولياتهم. هذه الآيات من سورة إبراهيم وهي مكية، أي إنها نزلت عندما كان المسلمون في ذروة الكفاح والصمود والمقاومة حيال تيار الكفر، وهي تبشر المسلمين وتقول للناس اعلموا أن لله تعالى أياماً هي أيام الله وسوف يجعلها الله من نصيبكم، وينبغي أن تشكروا أيام الله. إذا أبديتم ردود أفعال صحيحة وشاكرة لما منحكم الله تعالى فإن الله تعالى سيمن عليكم في المستقبل بمزيد من الانتصارات. هذه النقاط الموجودة في هذه الآية الشريفة هي موضوع كلامنا اليوم في الخطبة الأولى. 
هذان الأسبوعان الذان مرّا علينا كانا أسبوعين استثنائيين مليئين بالأحداث، أحداث مُرّة وأحداث حُلوة، أحداث فيها دروس وعبر وقعت لشعب إيران خلال هذين الأسبوعين. ما معنى أيام الله؟ معناها اليوم الذي يرى الإنسان يد القدرة الإلهية في الأحداث. يوم نزل عشرات الملايين في إيران ومئات الألوف في العراق وبعض البلدان الأخرى إلى الشوارع تكريماً لدماء قائد فيلق القدس وشكّلوا أضخم تشييع في العالم، هذا أحد أيام الله. ما حدث لم يكن بوسعه أن يكون من فعل أي عامل سوى يد القدرة الإلهية. ويوم دكّت صواريخ حرس الثورة الإسلامية قاعدة الأمريكيين؛ ذلك اليوم أيضاً أحد أيام الله (6). لقد شاهدنا هذين اليومين الذين هما من أيام الله طوال الأيام القليلة الماضية وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، شاهدناهما أمام أنظارنا نحن الشعب الإيراني. هذه الأيام نقاط عطف في التاريخ، إنها أيام صانعة للتاريخ، وليست أياماً عادية. أن يكون لقوة أو شعب هذه القدرة والطاقة الروحية أن توجه مثل هذه الصفعة لقوة عالمية متكبرة متعجرفة فهذا مؤشر على يد القدرة الإلهية، وإذاً فذلك اليوم هو من أيام الله. والأيام تنتهي لكن تأثيرات هذه الأيام تبقى في حياة الشعوب وفي معنوياتهم وفي طباعهم وفي مسيرتهم، والآثار التي تتركها هذه الأيام آثار باقية وفي بعض الأحيان خالدة. 
حسناً، المجتمع الإيراني الآن هو برأينا مجتمع صبّار شكور، شعبنا شعب طافح بالاستقامة وشاكر. على مر هذه الأعوام الطويلة كان شعب إيران دوماً شعباً شاكراً للألطاف الإلهية طوال هذه السنين. وعلينا نحن الشعب الصبار الشكور أن نستلهم الدروس من هذه الآيات. قلنا إن القضية الأولى هي أن ندرك الأبعاد المادية والمعنوية لهذه الظاهرة. أية يد قدرة تلك التي جاءت بهذه الحشود المنقطعة النظير إلى الساحة بعد 41 عاماً على انتصار الثورة الإسلامية؟ من الذي تسبب في كل هذه الدموع والعشق والحماس؟ أي عامل كان بوسعه أن يستعرض مثل هذه المعجزة سوى يد القدرة الإلهية؟ الذين لا يستطيعون مشاهدة يد القدرة الإلهية في هذه الأحداث ويقدمون تحليلات مادية لهذه الأمور سوف يبقون متأخرين. يجب مشاهدة يد القدرة الإلهية. البعد المعنوي وبالغ الأهمية لهذا الحدث هو أن الله تعالى هو الذي يفعل هذا الشيء. عندما يوجد الله تعالى مثل هذا الحراك لدى الشعب يجب أن يشعر الإنسان أن إرادة الله منعقدة على انتصار هذا الشعب. هذا دليل على أن الإرادة الإلهية منعقدة على أن يسير هذا الشعب في هذا الدرب وفي هذا الخط وينتصر. وهو أيضاً دليل على معنويات هذا الشعب وباطنه. هذا العشق والحب والوفاء والصمود وهذه البيعة الكبرى لخط الإمام الخميني، لقد بايع الشعب خط الإمام الخميني بتواجده ومشاركته هذه في الساحة، بيعة بهذه العظمة وبعد مضي أكثر من ثلاثين عاماً على رحيل الإمام الخميني الجليل، يبايع الشعب الإمام الخميني بهذا الشكل فهذا دليل على أن الإمام الخميني حيّ إلى هذه الدّرجة. 
ما الذي حدث بعد مساعي الإمبراطورية الخبرية الصهيونية – قبل أيام من هذا الحادث وبعده بأيام حاولت الإمبراطورية الخبرية الصهيونية في العالم بأسره اتهام قيادينا الكبير العزيز بأنه إرهابي، وقد قالها رئيس الولايات المتّحدة الأمريكيّة نفسه وقالها وزير خارجيته، وكررت الأجهزة الخبرية الصهيونية في العالم كله أنه إرهابي إرهابي – ولكن ما الذي حدث حتى قلب الله تعالى الصفحة تماماً إلى عكس ما كانوا يريدون؟ لا فقط هنا في إيران بل في مختلف البلدان بعثت الشعوب التحايا والسلام لروح هذا الشهيد الكبير وأحرقت أعلام أمريكا والصهاينة. ألا يمكن مشاهدة يد الله بوضوح؟ ألا يكشف هذا عن « لا تَحزَن اِنَّ اللهَ مَعَنا» (7) التي قالها الرسول لصاحبه في منتهى الشدة في غار ثور وهو وحيد بلا معين «لا تَحزَن اِنَّ اللهَ مَعَنا» (8) الله معنا؟ وقول النبي موسى لقوم بني إسرائيل الذين كانوا خائفين «اِنّا لَمُدرَكون» (9) يقولون سوف يلحق بنا جيش فرعون ويحاصروننا ويسحقوننا عن بكرة أبينا، فقال لهم النبي موسى «كـَلّاِّ اِنَّ مَعِي رَبّي سَيهدين» (10) ألا يمكن للإنسان أن يشاهد «اِنَّ مَعِي رَبّي» هنا؟ ألا يمكن للشعب الإيراني أن يشعر «اِنَّ اللهَ مَعَنا» (11)؟ لقد بسط الله أيادي قدرته في هذا البلد وفي هذا المجتمع وبين هذا الشعب. هذه الشهادة الكبرى نفسها – وقد كان ذلك ما يتعلق بالتشييع – هذه الشهادة نفسها من آيات القدرة الإلهية، وفضيحة للحكومة الأمريكية، الحكومة الأمريكية سيئة الصيت، سجلت هذه الشهادة فضيحة لهذه الحكومة. لقد اغتالوا أشهر وأقوى قيادي في محاربة الإرهاب، وقد كان الشهيد سليماني بالمعنى الحقيقي للكلمة أقوى قيادي في الحرب ضد الإرهاب في هذه المنطقة، وقد عُرف بهذا العنوان والصفة. أي قيادي آخر كان بمقدوره ووسعه القيام بالأعمال التي قام بها؟ يصل الشهيد سليماني بالمروحية لمنطقة يحاصرها الأعداء بـ 360 درجة (من الأطراف كلّها)، وهناك داخل حصار العدو الكامل شباب صالحون في تلك المنطقة باقون لوحدهم وليس لهم قائد فما أن تقع أعينهم على الحاج قاسم سليماني حتى تنبعث الروح فيهم وترتفع معنوياتهم وتزداد محفزاتهم فيكسرون الحصار ويفر العدو يختفي ويهرب. من الذي يستطيع فعل هذه الأشياء؟ 
اغتالوا أقوى وأشهر قائد محارب للإرهاب في المنطقة. ولم يواجهوه في ساحة المعركة وجهاً لوجه، إنما اغتالته الحكومة الأمريكية غيلة وبشكل جبان، وقد اعترفوا هم أنفسهم، فكان هذا الفعل مبعث خزي لأمريكا. في هذه المنطقة وإلى ما قبل هذا الحدث كانت مثل هذه الأفعال مختصة بالكيان الصهيوني الذي يغتال الأفراد والشخصيات، فاغتالوا قائد حماس وقالوا نحن اغتلناه، واغتالوا قائد الجهاد وقالوا نحن اغتلناه، كانوا يغتالون ويقولون نحن اغتلناهم. لقد قتل الأمريكيّون الكثير من الناس في العراق وأفغانستان وفي أماكن أخرى، قتلوا ما استطاعوا من البشر واغتالوهم لكنهم لم يكونوا يعترفون بالاغتيال، أما هنا فاعترفوا أنهم اغتالوه، هنا اعترف رئيس الولايات المتّحدة الأمريكيّة نفسه بلسانه، والله تعالى يقصم ظهر ورقبة الذين يعترفون بأنفسهم، اعترفوا بأنهم إرهابيون وقالوا نحن الذين اغتلناه. فهل فضيحة أكبر من هذه؟ والرد المدوّي للحرس أيضاً كان جديراً بالتدبر. يوم الله يوم تشييع الجنازة والشهادة الكبرى لهذا الشهيد العزيز في طرف من القضية ورد الفعل القوي المدوّي لحرس الثورة في الطرف الآخر من القضية، وهو بدوره جدير بالتدبر فقد كان ضربة وُجّهت لأمريكا. وقد كان طبعاً ضربة عسكرية، ضربة عسكرية مؤثرة لكن الأهم والأعلى من الضربة العسكرية هو الضربة التي وُجّهت لمكانتهم ولهيبة القوة الأمريكية العظمى (12). أمريكا تتلقى الضربات منذ سنين في سورية والعراق ولبنان وأفغانستان، تتلقى الضربات من يد المقاومة القويّة لكن هذه الضربة كانت أشد وأعلى منها كلها، لقد كانت هذه ضربة لحيثية أمريكا ومكانتها وهيبتها وأبهتها. ولا يمكن تعويض هذه الضربة بأي شيء. ويعلنون الآن أننا فرضنا حظراً ويزيدون الحظر لكن هذه الأعمال لا يمكنها إعادة ماء وجه أمريكا المراق. كان لهذا الرد المقتدر مثل هذه الخصوصية. وهذا أيضاً من تجليات العون الإلهي الذي ينزل أجراً على الجهاد الخالص. أعزائي، أيها الإخوة والأخوات المصلون! الإخلاص فيه بركة. أينما كان الإخلاص يبارك الله تعالى في إخلاص عباده المخلصين، وتكون في العمل بركة ورشد ونمو وتصل آثاره إلى الجميع وتبقى بركاته بين الناس. هذا ناجم عن الإخلاص. ونتيجة ذلك الإخلاص هو هذا العشق والحب والوفاء من عند الشعب، وهذه الدموع والآهات وهذه المشاركة الشعبية وتجدّد الروح الثورية لدى الشعب. أما أن نقيم هذه الأحداث ونضع لها قيمة ونعرف قدرها ونرى كم هو حجمها وقيمتها فهذا ما يحدث عندما لا ننظر للشهيد العزيز الحاج قاسم سليماني والشهيد العزيز أبي مهدي كفرد واحد، بل ننظر لهما كمدرسة. ننظر لقيادينا الشهيد العزيز كمدرسة وكدرب وكعقيدة زاخرة بالدروس، عندئد تتضح هذه القضية. عندئذ تتبين قيمة وقدر هذه القضية. لا ننظر لفيلق القدس كمؤسسة ومنظمة إدارية صرفة بل كمؤسسة إنسانية ذات محفزات إنسانية كبرى ساطعة. إذا تحقّق هذا الأمر فسوف يكتسب عندها تجمع الناس هذا وهذا التكريم والتعظيم الذي أبداه الشعب معنى آخر. طبعاً المباني الفكرية لكافّة قواتنا المسلحة من الجيش والحرس والتعبئة هي الأهداف الإلهية، بلا شك. هذه هي القضية في بلادنا اليوم. المباني الفكرية لكل قواتنا المسلحة هي هذه الأهداف الإلهية السامية. فيلق القدس قوة تنظر لكل مكان وكل الناس بسعة صدر. إنهم مقاتلون بلا حدود. مقاتلون يتواجدون أينما دعتهم الحاجة، ويحفظون كرامة المستضعفين ويدافعون عن المقدسات والحرمات المقدسة إزاء البلايا. لننظر لفيلق القدس بهذه العين، هؤلاء الذين يسارعون بأرواحهم وبكل قدراتهم لمساعدة الشعوب الأخرى والضعفاء في أطراف المنطقة ممن يستطيعون الوصول إليهم، هؤلاء يبعدون ويدفعون أشباح الحرب والإرهاب والدمار عن بلادنا أيضاً. جزء مهم من أمن وطننا العزيز هو حصيلة جهود هؤلاء الشباب المؤمنين الذين عملوا وجاهدوا سنين طويلة تحت قيادة قيادينا الشهيد العزيز، هؤلاء هم صانعو الأمن وقد صنعوا الأمن ووفروه لبلادنا أيضاً. نعم، يهبون لمساعدة فلسطين وغزة وسائر المناطق التي تحتاجهم لكنهم يوفرون الأمن لبلادنا. ذلك العدو الذي سلحته أمريكا لا ضد العراق وسورية بل ضد إيران في نهاية المطاف، إيران العزيزة، وصنعت داعش لا من أجل أن تتسلط في العراق فقط، إنما هدفهم الأصلي والنهائي هو إيران. أرادوا من خلال هذا الطريق زعزعة الأمن عندنا وفي حدودنا وفي مدننا ولدى عوائلنا وعملوا على إرهابنا، وقد توقفوا وتم صدهم بمساعدة هؤلاء الشباب المؤمنين الأعزاء الذين انطلقوا وقاموا بهذا الجهد العظيم. 
أولئك المخدوعين الذين هتفوا ذات يوم «لا غزة ولا لبنان» لم يضحوا بأرواحهم من أجل إيران بل ولم يكونوا مستعدين حتى للتنازل عن راحتهم ومصالحهم في سبيل البلاد. الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل إيران كانوا من أمثال الشهيد سليماني، هؤلاء هم الذين يوم كانت هناك حاجة للدفاع عن البلاد وضعوا أرواحهم على الأكف وساروا بها إلى ساحة الحرب للدفاع عن البلاد فدافعوا عن إيران، هؤلاء هم الذين يستطيعون الادعاء أنهم يدافعون عن أمن البلاد وأمن الشعب. تضحياتهم وإخلاصهم كان بهذا الشكل في كل المراحل والأزمنة. حسناً، بهذه النظرة نستطيع اكتشاف شعب إيران ومعنويات الشعب وباطن الشعب. هؤلاء الذين نزلوا إلى الشوارع، ملايين البشر الذين شاركوا في طهران وقم وكرمان وخوزستان وسائر المدن وحملوا على أكتافهم جثامين هؤلاء الشهداء الأعزاء، والذين شاهدوا هذه المشاهد عن بعد وذرفوا الدموع والذين استطاعوا إقامة العزاء لهم عن بعد في مختلف المدن  – والحق أن عشرات الملايين من أبناء شعبنا شاركوا في هذا الامتحان الكبير – يمكن تشخيص باطنهم وحقيقتهم. الشعب من كل التيارات والأحزاب ومن كل الفئات والقوميات والخصوصيات الجغرافية، كلهم مثل بعضهم من هذه الناحية، فهم أنصار للثورة وللحكم الإسلامي وأنصار للصمود بوجه الظلم وأنصار لقول «لا» لكل مطامع الحكومات الاستكبارية والاستعمارية. 
لقد أثبت الشعب الإيراني أنه يدافع بشجاعة عن خط الجهاد، لقد أثبت شعب إيران أنه يعشق رموز المقاومة، لقد أثبت الشعب الإيراني أنه يناصر المقاومة ولا يناصر الاستسلام. الذين يحاولون أن يقدّموا شيئاً آخر حول شعبنا العظيم للشعوب والرأي العام الأجنبي أو الرأي العام الداخلي، لا يعاملون الناس بصدق وإخلاص. هذا هو الشعب، الشعب يناصر الصمود والمقاومة والثبات مقابل تعسف الأعداء. هؤلاء المهرجون الأمريكيون الذين يقولون بكل كذب ورذالة إننا نقف إلى جانب شعب إيران لينظروا من هم شعب إيران. هل أولئك المئات من الأفراد الذين ينالون من صور قيادينا الشهيد العظيم [الشهيد سليماني] هم شعب إيران أم تلك الحشود المليونية الهائلة التي نزلت إلى الشوارع؟ (13) المتحدثون باسم الحكومة الأمريكية الشريرة يكررون دوماً إننا إلى جانب الشعب الإيراني. إنهم يكذبون! حتى لو كنتم إلى جانب الشعب الإيراني فمن أجل أن تغرزوا وتطعنوا بخنجركم المسموم صدر الشعب الإيراني. طبعاً لم تستطيعوا لحد الآن ولن تستطيعوا بالتأكيد بعد الآن أيضاً ارتكاب أية حماقة (14). لقد أفصح الشعب الإيراني عن نفسه في هذه القضية وأفصح عن باطنه وأساسه وبنيته الفكرية، لقد أعرب الشعب الإيراني عن مشاعره الصادقة. هتافات الانتقام التي سُمعت من شعب إيران في كل أنحاء البلاد هي في الواقع الوقود الحقيقي للصواريخ التي قلبت القاعدة الأمريكية رأساً على عقب (15). نقطة أخرى ينبغي التنبه لها في خصوص أهمية يوم الله هذا هي أن الله تعالى يقول للنبي موسى «وَذَكرهُم بِاَيامِ ‌الله» (16) بمعنى أن أيام الله يجب أن تبقى في ذاكرة الناس. البعض يحاولون إنساء أيام الله الحساسة هذه، فيطرحون قضايا أخرى عسى أن يستطيعوا تهميش ذكرى أيام الله الكبيرة هذه. ومنها هذه الواقعة المؤلمة وحدث سقوط الطائرة. سقوط الطائرة كان حدثاً مريراً بالتالي، وقد تحرقت له قلوبنا بالمعنى الحقيقي للكلمة. فقدان الشباب الأعزاء وأبناء وطننا الطّاهرين والذين كانوا هنا من بلدان أخرى حدث مرير جداً. هذا مما لا شك فيه أبداً. لكن البعض بتوجيه واتباع التلفزيونات الأمريكية والإذاعات البريطانية يحاولون طرح هذه القضية بطريقة تُنسي حادثة يوم الله الناتج عن الشهادة الكبرى لهذين الشهيدين العزيزين. حاولوا حسب أوهامهم أن ينسوا تلك الحادثة. أفراد لا يشعر المرء أن فيهم أي ميل للمصالح الوطنية ولمصالح البلاد، إن المرء ليتعجب حقاً. والبعض شباب وعاطفيون وينخدعون لكن البعض ليسوا بشباب، ويرى المرء أنهم غير مستعدين أبداً لاستيعاب المصالح الوطنية وفهمها والالتزام بها. تصدر عن ألسنتهم وأفعالهم ما يرغب فيه العدو. أريد أن أقول بمقدار ما تألمت قلوبنا وحزنت لحادثة سقوط الطائرة فرح عدونا لهذه الحادثة بنفس المقدار، لقد فرح عدونا متوهماً أنه حصل على وثيقة ودليل للنيل من الحرس الثوري وقواتنا المسلحة ونظام الجمهورية الإسلامية. أرادوا فعل هذا عسى أن يُهمّشوا تلك الحادثة العظيمة، لكنهم أخطأوا. «وَمَكروا وَمَكرَ اللهُ وَاللهُ خَيرُ الماكرين» (17)، لقد مكروا لكنهم لم يعلموا أن مكرهم لا تأثير له إطلاقاً أمام يد القدرة الإلهية ولا يستطيعون القيام بذلك. حادثة يوم الله الذي شهد تشييع جنازة الشهيد وحادثة يوم الله الذي شهد دكّ قاعدة الأمريكيين لن تبارح ذهن هذا الشعب بل سوف تزداد حياة وحضوراً يوماً بعد يوم إن شاء الله.   
وهنا أجد لزاماً أن أبدي التعاطف من أعماق القلب مرة أخرى مع أصحاب هذا المصاب فنحن شركاء أحزانهم ومصابهم، وأتقدم بالشكر لأولئك الآباء والأمهات وأصحاب العزاء الذين رغم أن قلوبهم كانت طافحة بالألم والحزن لكنهم وقفوا بوجه مؤامرة العدو ووسوسته وتكلموا واتخذوا مواقف بما يتعارض مع رغبة الأعداء. كتبت والدة أحد هؤلاء الأعزاء الذين كانوا في هذه الطائرة رسالة لي وقالت «إننا صامدون في دعم وحماية الجمهورية الإسلامية وفي دعم أهدافكم ودوافعكم». هذا شيء يحتاج إلى شجاعة وفهم وبصيرة، وإن المرء ليشعر حقاً بالتكريم والتعظيم أمام مثل هذه الشخصيات. 
ونقول أيضاً إنه من الأعمال الأخرى التي قاموا بها لتهميش هذه الأحداث الكبرى هذا الفعل الذي قامت به هذه الحكومات الأوروبية الثلاث، الحكومة البريطانية الخبيثة والحكومة الفرنسية والحكومة الألمانية، تهديد إيران بأننا سننقل القضية النووية مرة أخرى إلى مجلس الأمن، وقد رد عليهم مسؤولو البلاد لحسن الحظ بقوة، وتم الرد عليهم بقوة، هذه البلدان الثلاثة هي نفسها البلدان التي ساعدت صدام حسين خلال فترة الحرب المفروضة ضدنا بكل ما استطاعت، فقدمت الحكومة الأمريكية الأدوات والوسائل الكيمياوية والأسلحة الكيماوية لصدام حسين ليستهدف المدن والجبهات بتلك الأسلحة ولا تزال آثارها باقية بين مقاتلينا القدامى. وزودت الحكومة الفرنسية صدام حسين بطائرات سوبراتندارد لقصف سفننا وناقلات نفطنا، هذه هي سوابقهم، وقد كانت الحكومة البريطانية في خدمة أعدائنا وفي خدمة صدام بكل كيانها. هكذا هم هؤلاء وهذه سوابقهم، واليوم أيضاً يعملون بهذه الطريقة، ويجب النظر لهم من هذه الزاوية. وقد قلت منذ البداية، بعد خروج أمريكا من الاتفاق النووي حيث راحت هذه الحكومات الثلاث تتكلم باستمرار وتهذر باستمرار، قلت منذ البداية إنني لا أثق بهؤلاء وأنهم لن يفعلوا شيئاً وسيكونون في خدمة أمريكا، وقد اتضح الأمر تماماً في الوقت الحاضر، بعد مضي نحو سنة واحدة تبين أنهم خدم لأمريكا بالمعنى الحقيقي للكلمة ولاهثون لها، إنهم خدم أمريكا ويلهثون لها. وإذا بهذه الحكومات الحقيرة تتوقع أن تفرض على الشعب الإيراني الركوع. أمريكا التي هي أكبر منكم ورائدتكم وسيدتكم لم تقدر على فرض الركوع على الشعب الإيراني، وأنتم أصغر من أن تريدوا تركيع شعب إيران (18). هؤلاء حتى عندما يتفاوضون فمفاوضاتهم ممتزجة بالحيل والخداع. هؤلاء الأشخاص الذين يظهرون خلف طاولات التفاوض، أولئك الشخصيات الوقورة التي تجلس خلف طاولة المفاوضات هم نفسهم إرهابيو مطار بغداد، هؤلاء هم أنفسهم أولئك، ولا فرق بينهم، إنما يغيرون أزيائهم فقط، إنها اليد المعدنية التي ترتدي قفّازاً مخملياً وتظهر للعيان القفاز المخملي، وإلا فالباطن هو نفس الباطن، ولا فرق في الأمر أبداً. هؤلاء لا يمكنهم أن يكونوا موضع ثقة الإنسان. 
حسناً، الآن وقد عرف شعب إيران هذه الحادثة وعرف قدرها وقيمتها، ما الذي ينبغي أن نفعله الآن؟ أقول بكلمة واحدة: يجب أن تنصب همم الشعب الإيران العزيز على أن يكون قوياً (19). السبيل الوحيد أمام الشعب الإيراني هو أن يكون قوياً. يجب أن نسعى لأن نكون أقوياء، ولسنا نرفض التفاوض، طبعاً لا مع أمريكا، بل مع الآخرين، ولكن لا من موقف الضعف بل من موقف القوة والاقتدار. نحن والحمد لله أقوياء وسنزداد قوة بتوفيق من الله. طبعاً القوة ليست القوة العسكرية فقط، القوة ليست القوة العسكرية، يجب تقوية اقتصاد البلد ويجب إنهاء التبعية للنفط وأن نتخلص من تبعية اقتصادنا للنفط، وينبغي مواصلة القفزات العلمية والتقنية، وسند ورصيد كل ذلك تواجد ومشاركة شعبنا العزيز في الساحة. ينبغي أن تنصب جهود شعب إيران ومسؤولي البلاد على تقوية البلاد والشعب، بالاتحاد والتواجد والمشاركة وبالصبر وبالاستقامة وبالعمل الدؤوب واجتناب الكسل. إذا تحقق هذا فإن الشعب الإيراني بتوفيق وفضل من الله سيكون في المستقبل غير البعيد بحيث لا يجرؤ الأعداء حتى على تهديده (20). 
بِسمِ اللهِ الرَّحمّْنِ الرَّحيمِ × وَ العَـصرِ × اِنَّ ‌الاِنسانَ‌ لَفي‌ خُسرٍ اِلَّا الَّذينَ ءامَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحّْتِ‌‌ وَتَواصَوا بِالحَقِّ ‌وَتَواصَوا بِالصَّبرِ.[21]

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد للّه‌ ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيدنا ونبينا أبي ‌القاسم المصطفيٰ محمّد وآله الطّاهرين سيما علىّ اميرالمؤمنين وحبيبته الزّهراء المرضية والحسن والحسين سيدي شباب اهل الجنّة وعليّ ‌بن ‌الحسين زين العابدين ومحمّد بن‌ علىّ الباقر وجعفر بن‌ محمّد الصّادق وموسىٰ ‌بن ‌جعفر الكاظم وعليّ ‌بن‌ موسىٰ الرّضا ومحمّد بن ‌عليّ الجواد وعليّ ‌بن ‌محمّد الهادي والحسن ‌بن ‌عليّ الزكي العسكري والحجّة بن الحسن القائم المهدي صلوات‌ الله عليهم أجمعين. أوصيكم عباد الله‌ بتقوى الله‌.
أوصي كل الإخوة والأخوات مرة أخرى بتقوى الله في القول والعمل والسلوك والمعاشرة والأخلاق، فلنأخذ تقوى الله بالحسبان في كل هذه الأمور، وليكن هدفنا رضا الله. أشير سريعاً إلى نقطتين ثم أوجه كلامي قدراً ما للإخوة العرب. نقطتان عاجلتان أولاهما عن حادثة الطائرة حيث نتقدم بالعزاء والسلوان والتعاطف مرة أخرى. ثمة في هذه الحادثة بعض النقاط الغامضة. نشكر قادة الحرس على إيضاحاتهم حيث قدموا بعض الإيضاحات للشعب لكن الحادثة يجب أن تتابع وينبغي العمل بجد على الحؤول دون وقوع أحداث مماثلة. المتابعة مهمة لكن الأهم منها الحيلولة دون تكرر مثل هذه الأحداث. 
النقطة الثانية حول الانتخابات، وسوف أتحدث عن الانتخابات إن شاء الله، لكن ما أقوله الآن هو: أيها الإخوة الأعزاء أيتها الإخوات العزيزات، يا شعب إيران العزيز! مشاركة الشعب الإيراني أهم عوامل الاقتدار، وهذه المشاركة والتواجد له العديد من المواطن، ومن أهمها الانتخابات. مشاركة الشعب الإيراني في الانتخابات تحافظ على البلاد وتصونها وتضمنها وتبعث اليأس في نفوس الأعداء. ما يحاوله الأعداء بمختلف صنوف الحيل أن لا يشارك الشعب بحماس في الانتخابات. وما أقوله هو أن الشعب يجب أن يشارك بشوق وحماس في الانتخابات. وهناك قضايا مختلفة بشأن الانتخابات وهناك ملاحظات سوف نذكرها في المستقبل إن شاء إذا بقينا على قيد الحياة. ما أردت قوله اليوم هو أساس القضية، احذروا من أن يستطيع العدو تحقيق إرادته وهي تقليل أهمية الانتخابات ورونقها.

 الخطبة العربية التي وجّهها قائد الثورة الإسلامية للشعوب العربية

بسم‌‌الله‌‌الرّحمن‌‌الرّحيم
الحمد للّه ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين وصحبه المنتجبين.
أودّ في هذه البرهة الحساسة من تاريخ هذه المنطقة أن يكون لي معكم أيها الإخوة العرب مختصَرٌ من الحديث.
في هذه الأيام استشهد قائدٌ إيراني كبيرٌ وشجاعٌ ومجاهدٌ عراقي طافحٌ بروح التضحية والإخلاص بأذرعٍ عسكرية أمريكية وبأمر الرّئيس الإرهابي الأمريكي. هذه الجريمة لم تُرتكب في ميدان المواجهة، بل جرت بصورة جبانة لئيمة.
القائد سليماني كان ذلك الرّجل الذّي يقتحم الخطوط الأمامية ويقاتل بشجاعة نادرة في أخطرِ المواقع، وكان العاملَ الفاعل في دحر عناصر داعش الإرهابية ونظائرها في سورية والعراق.
الأمريكيون لم يجرأوا على أن يواجهوه في ساحات القتال فعمدوا إلى الهجوم عليه بنذالة من الجوّ حين كان بدعوة من حكومة العراق في مطار بغداد وأراقوا دَمَه الطاهر هو ورفاقه، و بذلك امتزج دم أبناء إيران والعراق مرةَ أخرى في سبيل الله سبحانه وتعالى.
الحرس الإيراني دَك بضربة مقابلة أوّلية صاروخية القاعدة الأمريكية وسحق أُبّهة وغطرسة تلك الدولة الظالمة المتكبرة ويبقى جزاؤها الأساسي وهو خروجها من المنطقة.
الشعب الإيراني في مسيرات بعشرات الملايين شيعوا الشهداء في مختلف المدن بتوديع منقطع النظير، والشعب العراقي في مدن عديدة شيعوهم بفائق التكريم والاحترام، كما أعربت شعوبٌ في بلدان متعددة عن مواساتها في اجتماعات صاخبة.
إنّ مساعٍ مغرضةً هائلة بُذلت لخلق نظرةٍ سلبية بين الشعبين الإيراني والعراقي. لقد أُنفقت أموال ضخمة وجُنّدَ  أفرادٌ لا يشعرون بالمسؤولية في إيران ضدّ الشعب العراقي، والساحة العراقيةٌ شهِدَت ضخّاً إعلاميا شيطانياً ضدّ الشعب الإيراني، غير أنّ هذه الشهادة الكبرى قد أحبَطَت كلّ هذه المساعي الشيطانية والوساوس الخبيثة.
ما أريد أن أقوله لكم هو أنّ القدرة الإسلامية.. قدرتنا وقدرتَكم تستطيع أن تتغلّب على ما تحيط القوى المادية نفسها به من هيبةٍ ظاهرية خادعة. القوى الغربية بالاعتماد على العلم والتقانة، وبالسلاح العسكري، والإعلام الكاذب والأساليب السياسية الماكرة استطاعت أن تهيمن على بلدان المنطقة، ومتى ما اضطرّت إلى الجلاء عن بلد على إثر نهضة شعبية، فإنّها لا تكفّ قدر ما تستطيع عن التآمر والاختراق التجسّسي والسيطرة السياسية والاقتصادية، وزرعت الغدة السرطانية الصهيونية في قلب بلدان غرب آسيا وعَمَدَت إلى وضع بلدان المنطقه في تهديدٍ مستمر.
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران نزلت بالكيان الصهيوني ضرباتٌ شديدة سياسية وعسكرية، وأعقب ذلك سلسلة من الهزائم للاستكبار وعلى رأسه أمريكا من العراق وسوريا ومروراً بغزّة ولبنان وحتّى اليمن وأفغانستان.
إعلام العدو يتّهم إيران بإثارة حروبٍ بالنيابة، وهذه فريةٌ كبرى، فشعوب المنطقة قد استيقظت، وقدرةُ إيران في مقاومتها الطّويلة أمام خُبثِ أمريكا قد تركت أثرها في الجوّ العام للمنطقة وفي معنويات الشعوب. مصير المنطقة يتوقّف على التّحرّرِ من الهيمنة الاستكبارية الأمريكية وتحرير فلسطين من سيطرة الصهاينةِ الأجانب.
 كلّ الشعوب تتحمّل مسؤولية الوصولِ إلى تحقيق هذا الهدف. على العالم الإسلامي أن يزيل عوامل التفرقة. وحدة علماء الدّين قادرة على أن تكتشف أسلوبَ الحياة الإسلامية الجديدة. وتعاون جامعاتنا من شأنه أن يرتقي بالعلم والتقانة، وبذلك تستطيع أن تضع أساس الحضارة الجديدة. والتّنسيقُ بين وسائل إعلامنا بإمكانه أن يصلح جذورَ الثقافة العامّة. والتلاحم بين قُوانا العسكرية سيبعدُ المنطقة كلّها عن الحروب والعدوان. والارتباطُ بين أسواقنا سيحرّر اقتصادَ بلداننا من سيطرة الشركات الناهبة. وتبادل الزِيارات بين شعوبنا سيقرّبُ القلوبَ والأفكار، ويخلقُ روحَ الوحدة والمودّة بينها. أعداؤنا وأعداؤكم يريدون أن يحققوا تقدمَهم الاقتصادي على حساب ثرواتِ بلدانِنا، وأن يبنوا عِزَّتَهم على حساب ذُلِّ شعوبنا، ويسجّلوا تفوُّقَهم بثمنِ تفرّقنا. يريدون إبادَتَنا على أيدينا. أمريكا تستهدفُ أن تجعلَ فلسطين دونما قدرةِ على الدفاع أمام الصهاينةِ الظالمين المجرمين، وأن تجعل سوريا ولبنان تحت سيطرة الحكومات التابعة لها والعميلة، وتريدُ العراقَ وثرواتهِ النفطيةَ بأجمعها مِلكاً لها. ولتحقيق هذا الهدفِ المشؤومِ لا تتوانى عن ارتكاب الظلمِ والعدوان. الامتحانُ العسير الذين مرّت به سوريا والفِتنُ المتواليةُ في لبنان، والأعمالُ الاستفزازيةُ والتخريبيةُ المستمرةَ في العراق نماذجُ لذلك.
الاغتيالُ الصريحُ لأبې مهدي القائدِ الشجاع للحشدِ الشعبي وقائد الحرس الكبير سليماني نماذجُ نادرةٌ لهذه الفتن في العراق. هؤلاء يريدون أن يحقّقوا أهدافهم الخبيثة في العراق عن طريق إثارة الفتن والحروب الداخلية وبالتّالي تقسيم العراق وحذف القوى المؤمنة والمناضلة والمجاهدة الوطنية.
 وكنموذج لوقاحتهم فإنهم إذ يلوّحون بأنهم حماة الديمقراطية يصرّحون بكل وقاحة وصلافة، بعد أن صادق برلمان العراق على إخراجهم، أنّهم جاءوا إلى العراق ليبقوا فيه ولن يغادروه.
العالم الإسلامي لا بدّ أن يفتح صفحة جديدة. الضمائر اليقظة والقلوب المؤمنة يجب أن تُحيي الثقة بالنفس في الشعوب، وعلى الجميع أن يعلموا أن طريق نجاة الشعوب هو في التدبير والاستقامة وعدم الرهبة من العدو.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يشملَ الشعوبَ المسلمة برحمته ونصرته إنه تعالى سميع مجيب.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، و السّلام عليكم ورحمة الله.
بِسمِ اللهِ الرَّحمّْنِ الرَّحيمِ  «اِنّاِّ اَعطَينّْك الكوثَرَ . فَصَلِّ لِ‌رَبِّك وَ انحَر . اِنَّـ شانِئَك   هُوَ  الاَبتَرُ.»[22]
والسّلام‌عليكم‌ورحمة‌الله‌وبركاته
 

الهوامش:
1 – سورة إبراهیم، شطر من الآیة 5 .
2 – سورة إبراهیم، شطر من الآیة 5 . 
3 – سورة إبراهیم، شطر من الآیة 6 . 
4 – سورة إبراهیم، شطر من الآیة 7 . 
5 – سورة إبراهیم، الآیة 8 . 
6 – تکبیر الحضور. 
7 – سورة التوبة، شطر من الآیة 40 . 
8 – سورة التوبة، شطر من الآیة 40 . 
9 – سورة الشعراء، شطر من الآیة 61 . 
10 – سورة الشعراء، شطر من الآیة 62 . 
11 – سورة التوبة، شطر من الآیة 40 . 
12 – تکبیر الحضور. 
13 – تکبیر الحضور. 
14 – تکبیر الحضور. 
15 – تکبیر الحضور. 
16 – سورة إبراهیم، شطر من الآیة 5 . 
17 – سورة آل عمران، الآیة 54 . 
18 – تکبیر الحضور. 
19 – تکبیر الحضور. 
20 – تکبیر الحضور. 
21 – سورة العصر. 
22 – سورة الکوثر.